وعاند أمره , فباء بالخسران والضلال البعيد .
النوع
الثاني: الحسن، وهو في الاحتجاج به كالصحيح عند الجمهور، وهذا النوع لما
كان وسطا بين الصحيح والضعيف في نظر الناظر -لا في نفس الأمر-؛ عسر التعبير
عنه وضبطه في كثير من أهل هذه الصناعة؛ وذلك لأنه أمر نسبي, شيء ينقدح عند
الحافظ ربما تقصر عبارته عنه.
وقد تجشم كثير منهم حده،
فقال الخطابي: "هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، قال: وعليه مدار أكثر
الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء, ويستعمله عامة الفقهاء".
قلت: فإن كان المعرف هو
قوله: "ما عرف مخرجه واشتهر رجاله" والحديث الصحيح كذلك، بل والضعيف، وإن
كانت بقية الكلام من تمام الحد؛ فليس هذا الذي ذكره مسلما له: أن أكثر
الحديث من قبيل الحسن, ولا هو الذي يقبله أكثر العلماء, ويستعمله عامة
الفقهاء.
دخل ابن كثير -رحمه الله- في موضوع طويل، وهو "موضوع الحسن" وتكلم على عدد من النقاط نأخذها بسرعة:
أولها: قضية الاحتجاج بالحسن
عند العلماء -رحمهم الله تعالى-, يعني إذا قيل: الحسن الذي هو الحسن لذاته
-كما عرف في الاصطلاح فيما بعد هذا عند العلماء رحمهم الله تعالى- جزء منه,
أو ملحق بالحديث الصحيح.
وقد مر بنا أن الحديث عند الأئمة المتقدمين -في غالب كلامهم - ينقسم إلى قسمين فقط: وهما الصحيح والضعيف.
فالحسن عندهم مندرج -يعني في
أعلى مراحله العليا- مندرج تحت الصحيح؛ ولهذا فهناك أحاديث حتى في " صحيح
البخاري ", وفي " صحيح مسلم " إذا طبقنا عليها التعريف الآتي للحديث الحسن؛
يمكن أن توصف بأنها حسنة.
فإذن هو في الاحتجاج به يعني
كالصحيح، بل يقول الذهبي -رحمه الله- , وغيره كذلك, يقولون: "إن الحسن هو
في رتبة أنك إذا أخذت الحديث الصحيح, وجعلته على مراتب, لا تزال تنزل حتى
تصل إلى أن بعض مراتبه هو الحديث الحسن".
هذه مسألة الاحتجاج، نعم: بعض
ما يوصف بأنه حسن قد يكون في الاحتجاج باختلاف، يعني: وهو الذي في أدنى
درجات الحسن، لكن هذه مسألة لها ذيول نتركها الآن.
المقصود: وهو " قضية الاحتجاج
بالحديث الحسن" ذكر عن الجمهور: ولا ينسبون عن أحد معين أنه لا يحتج
بالحديث الحسن، وإنما يذكرون كلمات لأبي حاتم وغيره، يقولون: إنه تشدد
فيها؛ فربما وصف راويا بأن حديثه حسن، ثم يقال له: يحتج به؟ فلا يجيب بنعم؛
ففهموا بهذا أن أبا حاتم -مثلا- لا يحتج بأي شيء؟ بالحديث الحسن، وهذا
عليه اعتراض.
المهم: أنه الكلام, أو الاحتجاج
بالحديث -الحين يعني- هو قول جمهور العلماء، ولا يذكر عدم الاحتجاج عن
-يعني- شخص معين, أو عن إمام معين, ويكون كلامه صريحا في رد الاحتجاج
بالحديث الحسن، هذه نقطة.
النقطة الثانية: ابن كثير -رحمه
الله- كأنه اعتذر, أو يعتذر مسبقا عن الإطالة في تعريف الحديث الحسن،
وكثرة الاختلاف في تعريفه، بماذا اعتذر هو -رحمه الله-؟
اعتذر بأن الحديث الحسن: لما
كان في رتبة بين الصحيح وبين الضعيف -يعني يتجاذبه من جهة- ما الذي جعله
ينزل عن الصحيح؟ أن فيه شيئا من الضعف، ما الذي جعله لا يوصف بأنه ضعيف؟
أنه ارتقى عن درجة الضعيف.
فهو يقول -رحمه الله-: هذا
الاعتذار قدمه -وهو قوله: وهذا النوع لما كان وسطا بين الصحيح والضعيف في
نظر الناظم لا في نفس الأمر- ابن كثير مُصِرٌّ على هذه النقطة: وهي أن هذه
التقاسيم هي في نفس الأمر, يعني: تقسيم الحديث إلى ثلاثة أقسام في نفس
الأمر, أو في اجتهاد المجتهد.
وقد سبق لنا في أول كلامه: أن الحديث في نفس الأمر ينقسم إلى: كم قسما؟ إما ثابت أو غير ثابت.
فهو يقول: "لما كان وسطا بين
الصحيح والضعيف في نظر الناظم -وليس في نفس الأمر-؛ عسر التعبير عنه وضبطه
على كثير من أهل هذه الصناعة؛ وذلك لأنه أمر نسبي, شيء ينقدح عند الحافظ,
وربما تقصر عبارته عنه" هذا سبب وجيه.
وقد كرره أو ذكره أيضا شيخه الذهبي، ويحتمل أن يكون ابن كثير -رحمه الله- أخذه من كلام شيخه الذهبي، ذكر هذا في "الموقظة".
وأن هذا, حتى هو قال -رحمه
الله- الذهبي, يعني: لا تسطيع أن تجد تعريفا للحديث الحسن يدخل تحته جميع
الأحاديث التي يوصف بها أنها حسنة، يقول لنا عن الذهبي.
فالمقصود: أن الحديث الحسن؛ يقدمون بهذا الكلام اعتذارا عن كثرة التعاريف للحديث الحسن, أو الاختلاف في تعريفه.
ويضم إلى هذا سبب -أيضا-: أن
تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف -كما عرفنا في درس الأمس, والذي قبله- أن
هذا من الذي شهره, وأكثر منه؟ هو الإمام الترمذي.
أما قبل, فالتعبير بكلمة "حسن" هذا -يعني- ليس بالكثير؛ فهو إذن اصطلاح جديد -نوعا ما-.
هنا الآن: أول ما ذكر ابن كثير
-رحمه الله- تبعا لابن الصلاح من التعاريف تعريف من؟ الخطابي, معروف عندنا
الخطابي؛ صاحب أي كتاب؟ "معالم السنن" و "أعلام السنن" وهو شرح فيه "صحيح
البخاري" وكتابه "معالم السنن" شرح فيه "سنن أبي داود".
أما الأول: شرح فيه بعض
الأبواب، انتقى أبوابا من " صحيح البخاري -رحمه الله-", ويعتبر هو من
العلماء المبكرين في شرح كتب السنة، وكلامه محرر, ويتداول -ينقل غالبا-؛
لاختصاره,وغزارة فوائده.
عرف الحديث الحسن -رحمه
الله- بهذا التعريف, واعترض عليه في اعتراضات: منها ما ذكره ابن كثير -رحمه
الله- وأن هذا لا يفصل الحسن من الصحيح، لا يفصله من الصحيح؛ لأن الصحيح
أيضا عرف مخرجه واشتهر رجاله.
ومن الاعتراضات ما ذكره ابن
كثير: "أن قوله: يقبله أكثر العلماء, ويستعمله عامة الفقهاء" ليس مسلما له،
ليس أكثر الأحاديث من قبيل الحسان.
يقول -هذا كلام ابن كثير رحمه
الله-: واعترض عليه -أيضا- كما نعرف, هنا نقطة مهمة في مسألة تعريف الحديث
الحسن, الذي ألفه في المصطلح ابن الصلاح ومن بعده، تطلبوا تعريفات لجميع
مصطلحات الحديث على طريقة أهل الحدود و التعريفات، من هم أهل الحدود و
التعريفات ؟
هم أهل المنطق, ويريدون
بالتعريف: أن يكون جامعا مانعا، فإذا أرادوا أن يعرفوا مصطلحا ما؛ يريدوا
أن يفصلوه عن غيره من المصطلحات؛ لئلا تتداخل المصطلحات؛ فهذا عسر عليهم
العثور على تعاريف لبعض مصطلحات الحديث بسبب سأذكره فيما بعد -إن شاء الله
تعالى-.
فالمقصود: أن الاعتراض -الآن-
أكثره على أن التعريف غير جامع, أو غير مانع, يعن: ليس على صناعة الحدود و
التعريفات -هكذا يقولون-, ومنه هذا الاعتراض على الخطابي.
الآن سيذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- تعريفا آخر للحديث الحسن, الذي هو تعريف الترمذي.
لفضيلة الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم