مغربي المسلم عضو فعال
عدد الرسائل : 182 نقاط التميز : 494 البلد :
| موضوع: سخرية لا كالسخرية السبت 7 مايو - 16:41:01 | |
| الحمد لله الذي أرسل الرسل بالهدى و دين الحق , و الصلاة و السلام على سيد الأنبياء و الخلق , و على آله و صحبه ذوي الفضيلة و السبق , و على من كان على أثرهم في قول الحق و الصدق و بعد
فإن المؤمن بالله تعالى حق الإيمان , و المتمسك بدينه في هذا الزمان , يتعرض إلى كبير البلايا و المحن , و السخرية من الجهلاء في السر و العلن , و لا يزيده الأمر إلا جلدا و صبرا على عظيم هذه الفتن , حسبه في ذلك اقتداء بأنبياء الله و رسله , كما هي الأيام والسنن , و هنا نقف على ذكرى و عظة لنعتبر , و يزداد صبرنا على الحق فلا ينكسر .
قال رب العزة سبحانه
( وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ )
يخبر الله عز و جل عن امتثال نبيه و رسوله نوح عليه السلام لأمره , حينما قال جل شأنه : ( فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ) ثم بدأ بعدها عليه السلام في صناعة السفينة , و كلما مر عليه جماعة من كبراء قومه , أخذوا يهزؤون و يسخرون منه , فما يزيده ذلك إلا صبرا وثباتا وإيمانا راسخا بنصرة الله له , و بعدها يمضي قدما في عمله , غير آبه لسخرية الكفرة من قومه , و في ذلك مثال عظيم لكل داعية إلى الله عز و جل , حتى يكون صابرا محتسبا في دعوته لدينه الحق , و مهما تعرض للأذى بالقول أو بالفعل و سخرية الجاهلين, فيقينه بنصرة الله له , يجعله صابرا محتسبا , قدوته في ذلك هم خير البشر و أكرمهم على الله جل و علا , و هم الأنبياء و الرسل صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , فقد كانوا أشد الناس بلاء و ابتلاء و عرضة لشتى أنواع المحن و الفتن , فكان ذلك سبيلا لرفعة شأنهم و مكانتهم عند رب العزة سبحانه , و جاء في قصصهم عبرة و عظة للمؤمنين الصالحين و منهاجا متبعا للدعاة المصلحين .
قال تعالى : ( وكلّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِّنْ قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ ) وفي سخريتهم منه قولان :
أحدهما : أنهم كانوا يرونه يبني في البر سفينة فيسخرون منه ويستهزئون به ويقولون: يا نوح صرت بعد النبوة نجاراً.
الثاني : أنهم لما رأوه يبني السفينة ولم يشاهدوا قبلها سفينة بنيت قالوا يا نوح: ما تصنع ؟ قال : أبني بيتاً يمشي على الماء فعجبوا من قوله وسخروا منه.
( قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ )
فيه قولان :
أحدهما : إن تسخروا من قولنا فسنسخر من غفلتكم.
الثاني : إن تسخروا من فِعلنا اليوم عند بناء السفينة فإنا نسخر منكم غداً عند الغرق.
والمراد بالسخرية ها هنا الاستجهال , ومعناه إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم.
قال ابن عباس رضي الله عنه : ولم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر ولا بحر فلذلك سخروا منه قال: ومياه البحار بقية الطوفان .
فإن قيل: فلم جاز أن يقول فإنا نسخر منكم مع قبح السخرية ؟ قيل : لأنه ذمٌّ جعله مجازاة على السخرية فجاء به على مزاوجة الكلام، وكان الزجاج لأجل هذا الاعتراض يتأوله على معنى إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم كما تستجهلوننا. النكث و العيون للماوردي رحمه الله
و قال أبو حيان رحمه الله في البحر المحيط : وقال ابن جريج : إن يسخروا منا في الدنيا فإنا نسخر منكم في الآخرة , والسخرية استجهال مع استهزاء , وفي قوله : فسوف تعلمون، تهديد بالغ، والعذاب المخزي الغرق، والعذاب المقيم عذاب الآخرة .
وهذه مقابلة و مزاوجة في الكلام , حتى يتفق اللفظان كما في قوله تعالى : ( الله يستهزىء بهم ) و لا تعد سخرية بمعناها الذي يقصده المجرمون من الكفرة , و حاشاه عليه السلام أن يكون من أهلها , و إنما سمي جزاء السخرية باسمها للمقابلة , كما نص على ذلك سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله
و قد قيل : معناه إن تسخروا منا فسترون عاقبة سخريتكم عندما يحل عليكم غضب من الله و انتقام شديد على ما تقومون به من كفر و صدود و سخرية أنتم أهل لها .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : وتأمل كيف قابل سبحانه ما قاله الكفار في أعدائهم في الدنيا وسخروا به منهم بضده في القيامة فإن الكفار كانوا إذا مر بهم المؤمنون يتغامزون ويضحكون منهم و إذا رأوهم قالوا إن هؤلآء لضالون , فقال تعالى : ( فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ) مقابلة لتغامزهم وضحكهم منهم ثم قال : ( على الأرائك ينظرون ) إغاثة اللهفان
فهذه سخرية ليست كالسخرية , و إنما هي جزاء فيه مقابلة بليغة , و بعدها تحذير شديد, و إعلام بوقوع العذاب الحقيق , و سوف يعلمون حينها من الأحق بالسخرية , عندما يلحق بهم الخزي و العذاب في الدنيا
و يكون الأشد آتيا يوم القيامة , وعندها تكون الحسرة و الندامة , و ما ربك بظلام للعبيد , و لكن كانوا هم الظالمون .
قال العلاّمة أبو السعود رحمه الله في تفسيره : وقيل : نسخر منكم في المستقبل سُخريةً مثلَ سُخريتِكم إذا وقع عليكم الغرقُ في الدنيا والحرقُ في الآخرة، ولعل مرادَه نعاملُكم معاملةَ مَنْ يفعل ذلك لأن نفسَ السُّخرية مما لا يكاد يليق بمنصِب النبوةِ، ومع ذلك لا سَدادَ له لأن حالَهم إذ ذاك ليس مما يلائمه السُّخريةُ أو ما يجري مجراها فتأمّلْ .
قلت : و هذا تنزيه بليغ منه رحمه الله , فالأنبياء عليهم السلام , أبعد الناس عن القبائح و فحش الكلام و السخرية الذميمة , و هنا إشارة دقيقة لكل متطاول على كتاب الله بالشرح و التقول بغير علم , حتى يعلم أن للعلماء المفسرين منزلة و درجة رفيعة الشأن , و هم أولى الناس بتوضيح ما صعب علينا فهمه , و أشكل علينا إدراكه , دون غيرهم من ذوي الأوهام و الآراء الفاسدة .
و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين و الحمد لله رب العالمين.
| |
|
AZER مشرف ركن الشعر العربي
عدد الرسائل : 431 نقاط التميز : 527 البلد :
| موضوع: رد: سخرية لا كالسخرية الجمعة 20 مايو - 5:23:59 | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاك الله كل خير واصل الابداع ولا تنقطع معـ اطيب تحياتى ... | |
|
togo عضو خاص
عدد الرسائل : 206 نقاط التميز : 216 البلد :
| موضوع: رد: سخرية لا كالسخرية الأحد 22 مايو - 13:50:55 | |
| ألف شكرا على الموضوع المميز واصل تميزك و لا تحرمنا من جديدك | |
|
samira مراقبة عامة لمنتديات الصحة و شؤون آدم و حواء
عدد الرسائل : 564 نقاط التميز : 950
| موضوع: رد: سخرية لا كالسخرية الإثنين 6 يونيو - 15:56:51 | |
| السلام عليكم
يسلمو ايديك على الموضوع الجميل
يعطيك ألف عافية ما قصرت
منور المنتدى بمواضيعك المميزة و الهادفة
بانتظار كل جديدكـ
وتقبل مروري | |
|