الحمد لله , نحمده و نستعينه ونستغفره , ونتوب إليه
, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ,
من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له
, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
, بعثه الله تعالى بالهدى ودين الحق
, ليظهره على الدين كله ,
بعثه الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً ,
وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ,
فبلغ الرسالة , وأدى الأمانة , ونصح الأمة
, وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
, ووفق الله من شاء من عباده فاستجاب لدعوته ,
واهتدى بهديه , وخذل الله بحكمته من شاء من عباده
, فاستكبر عن طاعته , وكذب خبره ,
وعاند أمره , فباء بالخسران والضلال البعيد .
أما بعد
في رحاب وأطلال منتدى شباب العرب، لإقدم لكم
يقول
الله تعالى في الحديث القدسي : ( إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق
ويُعبد غيري ، أرزق ويُشكر سواي ) ( خيري إلى العباد نازل ، وشرّهم إليّ
صاعد ، أتودد إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم ! ويتبغّضون إليّ بالمعاصي وهم
أفقر ما يكونون إليّ ) ( أهل ذكري أهل مجالستي ، من أراد أن يُجالسني
فليذكرني . أهل طاعتي أهل محبتي . أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن
تابوا إليّ فأنا حبيبهم ، وإن أبَوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب
لأطهّرهم من المعايب ، من أتاني منهم تائباً تلقّيته من بعيد ، ومن أعرض
عني ناديته من قريب ، أقول له : أين تذهب ؟ ألك رب سواي ! ) ( الحسنة عندي
بعشرة أمثالها وأزيد ، والسيئة عندي بمثلها وأعفو ، وعزتي وجلالي لو
استغفروني منها لغفرتها لهم )
السؤال
ما هو تخريج الحديث القدسي التالي ، فهو متداول بكثرة في المنتديات
الجواب
الحمد لله
أولا :
الجزء
الأول من هذا الحديث وهو قوله : ( إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق
ويُعبد غيري ، أرزق ويُشكر سواي ) من الأحاديث القدسية الضعيفة المشهورة ،
والأحاديث القدسية من أكثر الأبواب التي دخل فيها الضعيف والمكذوب .
أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (2/93)، ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (17/77)
يقول الشيخ الألباني رحمه الله :
" ضعيف .... منقطع ، فإن عبد الرحمن بن جبير ، وشريح بن عبيد لم يدركا أبا الدرداء ، فعلة الحديث الانقطاع " انتهى.
ومع ذلك فمعنى الحديث صحيح مقبول ، وليس فيه ما ينكر ، إلا أنه لا تجوز نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم .
يقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" معناه صحيح ، أن الله يخلق ويعبد سواه ، الله خلق المشركين وعبدوا سواه ، والله يرزق ويشكر سواه ، هذا واقع " انتهى.
ثانيا :
أما
الجزء الثاني وهو قوله : ( خيري إلى العباد نازل ، وشرّهم إليّ صاعد ،
أتودد إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم ! ويتبغّضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر ما
يكونون إليّ )
فهو حديث موضوع مكذوب وإن كان معناه مقبول أيضا :
جاء في " السلسلة الضعيفة " (حديث رقم/3287) للشيخ الألباني رحمه الله :
"
( يقول الله تعالى : يا ابن آدم ! ما تنصفني ، أتحبب إليك بالنعم ،
وتتمَقَّتُ إليَّ بالمعاصي ، خيري إليك منزل ، وشرك إليَّ صاعد ، ولا يزال
ملك كريم يأتيني عند كل يوم وليلة بعمل قبيح ! يا ابن آدم ! لو سمعت وصفك
من غيرك وأنت لا تعلم من الموصوف ؛ لسارعت إلى مقته )
موضوع . أخرجه
الرافعي في "تاريخ قزوين" (3/ 4) ، والديلمي (4/ 257-زهر الفردوس) من طريق
داود بن سليمان الغازي : حدثني علي بن موسى الرضا .. (قلت : فساق إسناده عن
آبائه عن علي رضي الله عنه) قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ...
فذكره .
قلت – أي الشيخ الألباني - : وهذا موضوع ؛ آفته الغازي هذا ، وهو شيخ كذاب كما تقدم مراراً .
لكن تابعه أحمد بن علي بن مهدي الرقي : حدثنا أبي : حدثنا علي بن موسى الرضا به .
أخرجه الديلمي ، وكذا نظيف المصري في "الفوائد" (ق106/ 2) ، ومن طريقه أبو نصر الغازي في "جزء من الأمالي" (ق78/ 1) وزاد :
(
تفعل الكبائر أو ترتكب الكبائر ثم تتوب إلي فأقبلك إذا خلصت نيتك ، وأصفح
عما مضى من ذنوبك ، وأدخلك جنتي وأجعلك في جواري ، سوءة (!) لإقامتك على
قبيح فعالك )
لكن الرقي هذا وأبوه لم أعرفهما ، ولعل أحدهما سرقه من
الغازي ؛ فإن لوائح الوضع والصنع على الحديث ظاهرة " انتهى كلام الشيخ
الألباني رحمه الله .
والحديث أخرجه أيضا ابن عساكر في " معجم الشيوخ "
(رقم/1270) من الطريق الأولى الموضوعة ، ويروى في كتب أخرى من نقل وهب بن
منبه عن الكتب السابقة ، وهو بذلك أشبه .
ثالثا :
أما الجزء الثالث من الحديث المذكور ، وهو قوله :
(
أهل ذكري أهل مجالستي ، من أراد أن يُجالسني فليذكرني . أهل طاعتي أهل
محبتي . أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم ، وإن
أبَوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهّرهم من المعايب ، من أتاني منهم
تائباً تلقّيته من بعيد ، ومن أعرض عني ناديته من قريب ، أقول له : أين
تذهب ؟ ألك رب سواي !)
فلم نجده مسندا ولا مأثورا في كتب أهل العلم ،
وأقدم من رأيناه ذكره هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع
الفتاوى " (14/319) حيث قال :
" وقد جاء فى بعض الأحاديث :
( يقول
الله تعالى : أهل ذكري أهل مجالستي ، وأهل شكري أهل زيادتي ، وأهل طاعتي
أهل كرامتي ، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، أي
محبهم ، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم
، أبتليهم بالمصائب لأكفر عنهم المعائب )
وذكر تكملته ابن القيم رحمه الله في " مدارج السالكين " (1/194) من غير عزو لكتاب .
رابعا :
أما
الجزء الأخير من الحديث ، وهو قوله : ( الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد ،
والسيئة عندي بمثلها وأعفو ، وعزتي وجلالي لو استغفروني منها لغفرتها لهم )
فقد
صح نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله
عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(
يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ
سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ ) رواه مسلم (2687) .
وبالجملة ،
فالحديث ـ بهذا السياق ـ ليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان
بعض جمله قد روي مفرقا ، كما ذكرنا في الجواب .
والله أعلم .
فى انتظار مواضيـع آخرى ان شـاء الله ،
نسال الله العظيم ان يجعل اعمالنا خالصه لوجهه الكريم
نتمـــنى المشــاركه والتفــاعل من الجميـــع ،،