حكاية .....حكاية .

رن الحاج أحمد جرس البوابة الكبير, كانت تقف بقربه فتاة خجولة في ربيعها السادس عشر.
فتح الباب بعد برهة لتظهر سيدة في الخمسين من العمر, وقالت مبتسمة .
-أخيرا أحضرتها يا سيد أحمد ؟
- نعم يا خالتي هنية, أجابها ساخرا, هاهو طلبكم ...إسمها جميلة.
- خالتك ؟ أصمت ياعجوز, أتنكر أنك لاحقتني للزواج ورفضتك لكبر سنك ؟
قاطعته بمرح وتحدي.
- حسن ...حسن, دعينا من هذا الهراء الآن, أين هي ربة البيت؟
أريد أجرة شهر مسبقا لأعطيها لوالد الفتاة, وطبعا أجرة خدماتي وأتعابي !
- سيدتي غير موجودة الآن, ...خذ المال وآغرب عن وجهي...!
كانت الخادمة الصغيرة تراقب المشهد بآستغراب واضح,
وقد جحظت عيناها الخضراوان وآنبسطت أسارير وجهها البيضاوي الجميل...
- مابك يا آبنتي ؟ هيا أدخلي... وآتبعيني للمطبخ...
لحقت جميلة بالخالة هنية في صمت, أخذت تتأمل أثاث المنزل الفاخر ورحابته.
توجد عدة أبواب موصدة, ودرج رخامي ينبأ عن طابق علوي فخم.
- إسمعي يا جميلة , نادني خالتي...أنت مسموح لك بذلك. أصحاب البيت
ستنادينهم بسيدي وسيدتي. مفهوم؟
- مفهوم سيدتي, آه... أقصد خالتي, ولكن أين سأنام وأضع أغراضي ؟
- أصحاب البيت أغنياء جدا وكرماء, فقد جعلوا لكل منا غرفة مستقلة قرب
المطبخ...ستتكلفين بالتنظيف وتقديم الطعام والتسوق أحيانا.
أما أنا فمسؤولة عن المطبخ, طبعا ستساعدينني إذا اقتضى الأمر.
-ولكن من يقطن في هذا البيت الفخم ؟ ألديهم أطفال يا خالتي ؟
- لا, لديهما ابن وحيد يدرس بالخارج ويأتي في العطلة الصيفية فقط,
كما أنهما لا يستقبلان الزوار إلا قليلا.
سترين يا جميلة أنك ستحبين المقام هنا ولن تغادرينا إلا لبيت زوجك...
كما فعلت الخادمة السابقة.
فرحت جميلة بحظها السعيد الذي ساقها أخيرا للعمل في ظروف جيدة.
رحب بها الزوجان الثريان...
وآعتنت بها ربة البيت, أدخلتها لتتعلم في مدرسة مسائية لمحو الأمية,
وغيرت من لباسها وهندامها, مما أظهر جمالها أكثر...
لدرجة أن الزوج كان يسترق النظر إليها ويحاول عبثا إخفاء إعجابه بها.
مضت بضع شهور , صارت فيها جميلة مطمعا لجل الباعة وشباب الحي الذي
تتبضع منه كل صباح, كانت تسحر الجميع بأنوثتها ...سحرها وكبريائها.

شاب واحد فقط, يعمل مساعدا في صيدلية, هو من أثار آهتمامها بأدبه
وحديثه اللبق...فصارت تتحين الفرص لرؤيته والحديث معه.
تطورت علاقتهما من إعجاب لحب جارف..فكثرت لقاءاتهما بعيدا عن الحي...
كانت كلما سألته عن موعد زواجهما, تحجج بضيق ذات اليد
و طلب منها أن تعينه في آدخار المال لتجهيز بيت المستقبل.
فتمنحه كل ما تملك عن طيب خاطر وسذاجة ...ممنية النفس بالزواج.

آستيقظت ذات صباح وهي تشعر بمغص شديد وشعور بالغثيان...
آستغربت الخالة هنية شحوبها, ورمقتها بريبة متسائلة.
- مابك اليوم ياجميلة ؟ هل أكلت شيئا أثر على معدتكي ؟
- لا أدري خالتي, أشعر بألم شديد يمزق أمعائي...
سأذهب للصيدلية عسى أجد دواء ناجعا.

لم يستغرق عشيقها سوى بضع دقائق, ليظهر له تحليل البول أنها حامل !!!
- يجب أن تتخلصي من حملك يا جميلة...قال بحزم
- ماذا ؟ أتريدني أن أقتل طفلنا ؟ ثمرة حبنا ؟ لم لا نتزوج كما وعدتني ؟
- أتظنينني سأربط مصيري بخادمة حقيرة مثلك ؟ فرطت في شرفها بسهولة !!!
إسمعي... خذي هذا الدواء, سيساعدكي على إسقاط الجنين,
و لا تعودي هنا ثانية...
ضاقت عليها الأرض بما رحبت, لم تدري ماذا ستفعل حيال هذه الكارثة التي
عصفت بحياتها عصفا. ماذا ستقول لوالديها وإخوتها في القرية ؟
كانت تحلم فقط بزوج وبيت سعيد...
هل سيسمح لها أصحاب البيت بمواصلة خدمتهم ؟...
ظلت ممدة في سريرها طيلة اليوم, ولم تذق طعاما...

بحلول المساء شعرت ببعض التحسن, فقامت وتزينت...
ثم ذهبت لمكتب رب البيت لتقدم له القهوة كالعادة...
آبتسمت له وأظهرت غنجا ودلالا على غير عادتها.
- سيدي, هل أحضر لك قطعة من الكعك ...؟
- تعلمين أنني لا أستطيع تناوله...أحضري لي دوائي ودعيني وحدي.
- ليس قبل أن تتناول عشاءك سيدي !
- لا شهية لي للطعام , كما أن زوجتي مدعوة للعشاء خارجا...
أحضري لي بعض الحساء فقط.

آبتسمت جميلة في سرها , وشكرت الظروف التي منحتها هته الفرصة الذهبية
لتحقيق ما خططت له...أليس لها الحق في السعادة ؟
وضعت قرصين من منوم في طبق الحساء...وآنتظرت حتى نامت الطباخة ...
ثم سحبت رب البيت بصعوبة لتضعه في سريرها...
مضت ساعات الليل ببطء شديد, لم يغمض لها جفن...
عادت الزوجة في منتصف الليل...وتظاهرت جميلة بالنوم.
سمعت سيدتها تصعد الدرج...ثم تنزل مسرعة لتدخل غرفة المكتب...
وأخيرا آقترب وقع أقدامها من المطبخ... ومن غرفة جميلة...
فتحت باب الغرفة بعنف وصرخت في زوجها وقد هالها منظرهما
- قم من النوم يا خائن...!!!
- م...م...ماذا ؟ ماذا أفعل هنا ؟ أجاب الزوج بذهول وهو بالكاد
يستطيع فتح عينيه...لم يحدث شيء يا حبيبتي, صدقيني...

- لا ...لا تنكر الأمر يا سيدي...صرخت جميلة متظاهرة بالحزن

والإستكانة...لقد آستغل ضعفي وقلة خبرتي يا سيدتي...
وأجبرني على الخضوع له مرات عديدة في غيابك !!!
اليوم فقط تأكدت من حملي منه !!!

- ماذا ؟ ماذا تقولين ؟...تبادل الزوجان النظرات وآنفجرا ضاحكين...
-... لماذا تسخران مني؟

أنا أعلم حقوقي وحقوق طفلي جيدا,

الأفضل لك سيدي أن تصلح خطأك وإلا لجأت للقضاء...

- لاداعي لكل هذا يا جميلة, ما لا تعرفينه هو أنني رجل عقيم,
وآبننا الوحيد هو ابن زوجتي من زواجها الأول.

- نامي يا جميلة, فغدا ينتظركي سفر طويل لن تعودي بعده لهذا البيت ...
لو أنكي صارحتني لساعدتك بدل طمعك بوضع لم ولن يكون لكي يوما.
أضافت الزوجة ببرود ونظرة آزدراء.

ما إن أطل نور الصباح , حتى تعالت صرخات الخالة هنية...
فقد وجدت جميلة, جثة هامدة ملقاة على الأرض وفي يدها قنينة دواء فارغة...
ورسالة آعتذار لوالديها تحمل تفاصيل قصتها مع حبيبها...

تمت ولله الحمد