.:.
السـ.:. ـلام
عليكـ.:. ـم .:.
الله شيئاً ...
والاخاء...
هذا مبحث هام و مفيد جدا لأهمية علم العلل و شرفه و
عزته من كتاب (جهود المحدثين في بيان علل الحديث) لشيخنا الكريم علي الصياح حفظه
الله .
قال فيه :
(أهميةُ
علمِ العلل وشرفهِ وعزتهِ، وأسبابُ ذلك
تعددتْ أقوال النقادِ في بيانِ أهميةِ
علم العلل وشرفهِ وعزته ودقته، فمن الأقوالِ في ذلكَ:
1- قول عبدالرحمن
بن مهدي
(لأنْ أعرف علةَ حديثٍ-هو عندي- أحب إليّ من أنْ أكتب عشرين حديثاً ليسَ
عندي))( )، وقولُهُ
(إنكارُنا للحديثِ عِند الجهّال كِهانة))( ).
2- وَقَالَ
علي بنُ المديني
(ربما أدركتُ علةَ حديثٍ بعد أربعين سنة))( ).
3- وَقَالَ عبد
الرحمن بن أبي حاتم الرازي
(سمعتُ أبي يقول: جرى بيني وبين أبى زرعة يوماً تمييز
الحديث ومعرفته، فجعل يذكر أحاديثَ ويذكر عللها، وكذلك كنتُ أذكر أحاديث خطأ وعللها
وخطأ الشيوخ، فقال لي: يا أبا حاتم قلَّ من يفهم هذا! ما أعز هذا! إذا رفعت هذا من
واحد واثنين فما أقلَّ من تجد من يحسنُ هذا!وربما أشك في شيء أو يتخالجنى شيء في
حديث فإلى أن التقى معكَ لا أجد من يشفينى منه، قَالَ أبى: وكذاكَ كان أمري))( )،
وَقَالَ ابنُ أبي حاتم أيضاً
(سمعتُ أبي يقول: الذي كانَ يحسنُ صحيحَ الحديثِ من
سقيمهِ وعنده تمييزُ ذلكَ ويحسنُ عللَ الحديثِ أحمدُ بنُ حنبل ويحيى بن معين وعلي
بنُ المديني وبعدهم أبو زرعه كان يحسنُ ذلكَ، قيل لأبي: فغير هؤلاء تعرف اليوم
أحداً؟ قَالَ: لا)) ( ).
وقال ابنُ أبي حاتم قَالَ
(سمعتُ أبى رحمه الله يقولُ:
جاءني رجلٌ من جِلةِ أصحابِ الرأي مِنْ أهلِ الفهم منهم، وَمَعَه دفترٌ فعرضه
علىَّ، فقلتُ في بعضها: هذا حديثٌ خطأ قد دَخَل لصاحبه حديثٌ في حديث، وقلتُ في
بعضه: هذا حديثٌ باطل، وقلتُ في بعضه: هذا حديثٌ منكر، وقلتُ في بعضهِ: هذا حديثٌ
كذب، وسائرُ ذلك أحاديثُ صحاح، فقال: من أين علمتَ أنّ هذا خطأ، وأنَّ هذا باطل،
وأنّ هذا كذب، أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطتُ وأني كذبتُ في حديث كذا؟ فقلتُ: لا
ما أدري هذا الجزء من رواية مَنْ هو، غير أنى أعلم أن هذا خطأ، وأنّ هذا الحديث
باطل، وأن هذا الحديث كذب، فقال: تدعى الغيب؟ قَالَ قلت: ما هذا ادعاء الغيب،
قَالَ: فما الدليل على ما تقول؟ قلتُ: سلْ عما قلتُ من يحسن مثل ما أحسن فإن اتفقنا
علمتَ أنَّا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم، قَالَ: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت:
أبو زرعة، قَالَ: ويقول أبو زرعة مثل ما قلتَ؟ قلت: نعم، قَالَ: هذا عجب.
فأخذ
فكتب في كاغذ ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إليّ وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبا
زرعة في تلك الأحاديث فما قلت إنه باطل قَالَ أبو زرعة: هو كذب، قلتُ: الكذب
والباطل واحد، وما قلت إنه كذب قَالَ أبو زرعة: هو باطل، وما قلت إنه منكر قَالَ:
هو منكر كما قلتُ، وما قلت إنه صحاح قَالَ أبو زرعة: هو صحاح، فقال: ما أعجب هذا
تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما، فقلت: فقد علمت أنا لم نجازف، وإنما قلناه بعلم
ومعرفة قد أوتينا، والدليل على صحة ما نقوله بأن ديناراً نَبْهَرَجا( ) يحمل إلى
الناقد فيقول هذا دينار نبهرج، ويقول لدينار: هو جيد، فان قيل له: من أين قلت إن
هذا نبهرج هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار؟ قَالَ: لا فإن قيل له فأخبرك الرجل
الذي بهرجه أني بهرجت هذا الدينار؟ قَالَ: لا، قيل: فمن أين قلتَ إن هذا نبهرج؟
قَالَ: علماً رزقت، وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك، قلتُ له: فتحمل فصّ ياقوت إلى واحدٍ
من البصراء من الجوهريين فيقول: هذا زجاج، ويقول لمثله: هذا ياقوت، فإن قيل له: من
أين علمت أن هذا زجاج وأن هذا ياقوت هل حضرت الموضع الذي صنع فيه هذا الزجاج؟
قَالَ: لا، قيل له: فهل أعلمك الذي صاغه بأنه صاغ هذا زجاجا، قَالَ: لا، قَالَ: فمن
أين علمت؟ قَالَ: هذا علم رزقت، وكذلك نحن رزقنا علما لا يتهيأ لنا أن نخبرك كيف
علمنا بأنّ هذا الحديث كذب وهذا حديث منكر إلا بما نعرفه))( ).
وَقَالَ محمدُ
بنُ صالح الكِيْلِينِي
(سمعتُ أبا زرعة وَقَالَ لهُ رجلٌ: ما الحُجةُ في تعليلكم
الحديث؟ قَالَ: الحجة أنْ تسألني عن حديثٍ لهُ عِلةٌ فأذكرُ علتَه ثم تقصدُ محمد بن
مسلم بن وارة، وتسأله عنه، ولا تخبره بأنّك قد سألتني عنه فيذكر علته، ثم تقصدُ أبا
حاتم فيعلله، ثم تميزُ كلامَ كلّ منّا على ذلكَ الحديث، فإنْ وجدتَ بيننا خلافاً في
علته، فاعلم أنّ كلاً منا تكلم على مراده، وإنْ وجدتَ الكلمة متفقة، فاعلمْ حقيقةَ
هذا العلم، قَالَ: فَفَعَلَ الرجلُ، فاتفقت كلمتُهم عليه، فقال: أشهدُ أنَّ هذا
العلمَ إلهام))( ).
4- وَقَالَ الحاكم أبو عبد الله
(ذكر النوع السابع والعشرين
من علوم الحديث هذا النوع منه معرفة علل الحديث، وهو علم برأسه غير الصحيح والسقيم
والجرح والتعديل…فإنّ معرفة علل الحديث من أجل هذه العلوم))( ).
5- وَقَالَ
الخطيبُ البغدادي
(معرفةُ العلل أجل أنواع علم الحديث))( )، وَقَالَ أيضاً
(فمن
الأحاديث ما تخفى علته فلا يوقف عليها إلاّ بعد النظر الشديد، ومضي الزمن البعيد))(
).
6- وَقَالَ أبو عبد الله الحميدي
(ثلاثةُ كتبٍ من علوم الحديث يجبُ
الاهتمامُ بها: كتابُ العلل، وأحسنُ ما وضع فيه كتاب الدّارقُطنيّ، والثاني: كتابُ
المؤتلف والمختلف، وأحسنُ ما وضع فيه الإكمال للأمير ابنِ ما كولا، وكتابُ وفيات
المشايخ، وليس فيه كتابٌ( )))( ).
7- وَقَالَ ابنُ الصلاح
(اعلم أنّ معرفة علل
الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها، وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة
والفهم الثاقب))( ).
8- وَقَالَ شيخُ الإسلام ابنُ تيمية -عن أهل الحديث أنهم-:
((يضعفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء تبين لهم أنه غلط فيها بأمور يستدلون
بها ويسمون هذا "علم علل الحديث" وهو من أشرف علومهم بحيث يكون الحديث قد رواه ثقة
ضابط وغلط فيه))( ).
9- وَقَالَ ابن القيم
(ومعرفةُ هذا الشأنِ وعللهِ ذوقٌ
ونورٌ يقذفه اللهُ في القلبِ يقطعُ بهِ من ذاقه ولا يشك فيه، ومن ليس له هذا الذوق
لا شعور له به، وهذا كنقدِ الدراهم لأربابه فيه ذوق ومعرفة ليستا لكبار العلماء،
قَالَ محمدُ بن عبد الله بن نمير: قَالَ عبدُ الرحمن بنُ مهديّ: إنَّ معرفةَ
الحديثِ إلهام، قَالَ ابنُ نمير: صَدَقَ لو قلتَ له: مِنْ أينَ قلتَ؟ لم يكن له
جواب))( ).
10- وَقَالَ العلائيُّ
(وهذا الفنُ أغمضُ أنواعِ الحديثِ، وأدقها
مسلكاً، ولا يقومُ بهِ إلاّ مَنْ منحه اللهُ فهماً غايصاً، واطلاعاً حاوياً،
وإدراكاً لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة، ولهذا لم يتكلم فيه إلاّ أفراد أئمة هذا
الشأنِ وحذاقهم كابنِ المدينيّ، والبخاريّ، وأبي زرعة، وأبي حاتم وأمثالهم)) ( ).
11- وَقَالَ ابنُ رجب
(فالجهابذةُ النقادُ العارفون بعللِ الحديثِ أفرادٌ
قليلٌ من أهل الحديث جداً، وأوَّل من اشتهر في الكلام في نقد الحديث ابنِ سيرين، ثم
خَلفه أيوب السختياني، وأخَذَ ذلك عنه شعبةُ، وأخذ عَنْ شعبة: يحيى القطان وابن
مهدي، وأخذ عنهما: أحمدُ وعلى بنُ المديني وابنُ معين، وأخذ عنهم مثل: البخاريّ
وأبي داود وأبي زرعة وأبي حاتم، وكان أبو زرعةَ في زمانه يقول: قلَّ من يفهم هذا!
ما أعز هذا! إذا رفعت هذا من واحد واثنين فما أقلّ من تجد من يحسنُ هذا، ولما ماتَ
أبو زرعة قَالَ أبوحاتم: ذَهَبَ الذي كان يحسن هذا المعنى، يعني:أبا زرعة ما بقي
بمصر ولا بالعراق واحد يحسن هذا، وقيل له بعد موت أبي زرعة: يعرف اليوم واحد يعرف
هذا؟ قَالَ: لا، و جاءَ بعد هؤلاء جماعة منهم النسائي والعُقيلي وابن عدي
والدّارقُطنيّ، وقلّ مَن جَاء بعدهم مَنْ هو بارع في معرفة ذلكَ حتى قَالَ أبو
الفرج ابن الجوزي في أول كتابه الموضوعات: قل من يفهم هذا بل عُدم، والله أعلم))(
).
-وَقَالَ أيضاً
(وقد ذكرنا في كتاب العلم أنه علم جليل، قلَّ من يعرفه من
أهل هذا الشأن، وأنَّ بساطه قد طوي منذ أزمان))( ).
-وَقَالَ أيضاً
(ذكرنا فيما
تقدم في كتاب العلم شرف علم العلل وعزته، وأنّ أهله المتحققين به أفراد يسيرة من
بين الحفاظ وأهل الحديث، وقد قَالَ أبو عبد الله بن منده: إنّما خص الله بمعرفة هذه
الأخبار نفر يسير من كثير ممن يدعي علم الحديث))( ).
-وَقَالَ أيضاً-بعد ذكره
حديث أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه و سلم ينام وهو
جنب ولا يمس ماء-
(وهذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي
إسحاق..وأمّا الفقهاء المتأخرون: فكثيرٌ منهم نظر إلى ثقةِ رجالهِ فظنَّ صحته،
وهؤلاء يظنون أنَّ كلَّ حديثٍ رواه ثقة فهو صحيحٌ ولا يتفطنون لدقائق علم علل
الحديث))( ).
12- وَقَالَ ابنُ حجر
(المُعَلَّل: وهو من أغمض أنواع علوم الحديث
وأدقها، ولا يقوم به إلاّ من رزقه الله فهماً ثاقباً، وحفظاً واسعاً، ومعرفةً تامةً
بمراتب الرواة، وملكةً قويةً بالأسانيد والمتون، ولهذا لم يتكلم فيه إلاّ القليل من
أهل هذا الشأن؛ كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي
حاتم، وأبي زرعة..))( ).
وكلام الأئمة والنقاد في أهميةِ هذا العلم، وشرفهِ،
وعزته ودقته كثير، ولعل ما تقدم كافٍ في بيان ذلك.
ومن خلال ما
تقدم من النقول يتبين أنَّ أهمية علم العلل ترجع إلى عدة أسباب أبرزها
أمران:
الأوَّل: قلةُ العلماء البارعين والمتمكنين من هذا الفن، لعدة
أسباب:
1- أنَّ العلة أمر خفيّ فلا تدرك إلاّ بعد النظر الشديد، ومضي
الزمن البعيد، وتقدم كلام علي بن المديني، والخطيب البغدادي في ذلك.
2- أنَّ
معرفة العلة ومأخذها يحتاج إلى دقة فهم وجودة فكر ونظر، قَالَ ابنُ دقيق العيد- بعد
أنّ طوّل النفس على حديث ابن عباس مرفوعاً"إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض فليتصدق
بنصف دينار" وبين علله وناقشها-
(إذا تنبهت لهذه الدقائق التي ذكرناها في هذا
الحديث ظهر لك احتياج هذا الفن إلى جودة الفكر والنظر، فإنَّ الأمر ليس بالهين، لا
كما يظنه قوم أنه مجرد حفظ ونقل لا يحتاج إلى غيرهما فيه))( ).
3-الحاجة في هذا
الفن إلى الحفظ الواسع، والتقصي في جمع الطرق، قَالَ ابنُ المبارك
(إذا أردتَ أن
يصحَ لكَ الحديث فاضرب بعضه ببعض))( )، وقال علي بنُ المديني
(البابُ إذا لم تجمع
طرقه لم يتبين خطؤه))( )، وقال يحيى بنُ معين
(اكتب الحديث خمسين مرة، فإنّ له
آفات كثيرة)) ( ).
4- الدقة في معرفة مراتب الثقات، وترجيح بعضهم على بعض عند
الاختلاف.
الثاني: أثرُ علم العلل الكبير في تصحيح الحديث
وتضعيفه، خاصةً لمَّا تنوعتْ أخطأ وأوهام الرواة وخفيتْ وغمضتْ، وسرت إلى روايات
الثقات بقصد-لأسباب عديدة- وبغير قصد.
قَالَ ابن مفوّز( )
(..حديثُ أبي
إسحاق من رواية الثوريِّ وغيره ِفأجمعَ من تقدم من المحدثين ومن تأخر منهم أنه خطأ
منذ زمان أبي إسحاق إلى اليوم.. وبعض المتأخرين من الفقهاء الذين لا يعتبرون
الأسانيد، ولا ينظرون الطرق يجمعون بينهما بالتأويل، فيقولون:: لا يمس ماء للغسل،
ولا يصح هذا، وفقهاء المحدثين وحفاظهم على ما أعلمتك)) ( ).
وقال ابن رجب
(اعلم
أن معرفة صحة الحديث وسقمه تحصل من وجهين: أحدهما: معرفة رجاله وثقتهم وضعفهم
ومعرفة هذا هين لأن الثقات والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف وقد اشتهرت بشرح
أحوالهم التواليف.
والوجه الثاني: معرفة مراتب الثقات، وترجيح بعضهم على بعض
عند الاختلاف، إمّا في الإسناد، وإمّا في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع
ونحو ذلك، وهذا هو الذي يحصل من معرفته وإتقانه وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علل
الحديث))( ).
تنبيه:
ربما يُفْهَم من بعضِ الأقوال المتقدمة أنّ علم العلل
يحصل في القلب من فراغ بدون عمل ولا طلب، وهذا الفهم غير مراد قطعاً، لكن لمَّا كان
علم العلل خفياً ودقيقاً وبحاجةٍ إلى كثرةِ طلبٍ، وسعةِ حفظٍ، وجودةِ فكر ودقةِ
نظر، وتوفيق من الله أولا وآخراً، -وهو ما توفر لأولئك النقاد- أصبح عند من لا
يحسنه نوعٌ من الكهانة والإلهام.
وهذا التوجية يتبين من مجموع أقوالهم
وأحوالهم، فمن الخطأ أخذ جزء من الكلام وبناء الأحكام عليه، فلا بدّ من ضم الكلام
بعضه إلى بعض ليتضح ويتبين المراد، ومما يوضح ذلك قول أبي حاتم لمّا قَالَ له
السائل: تدعى الغيب؟ قَالَ قلت: ما هذا ادعاء الغيب، قَالَ: فما الدليل على ما
تقول؟ قلتُ: سلْ عما قلتُ من يحسن مثل ما أحسن فإن اتفقنا علمتَ أنَّا لم نجازف ولم
نقله إلا بفهم، قَالَ: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت: أبوزُرْعة...))( ) فقول
أبي حاتم " سلْ عما قلتُ من يحسن مثل ما أحسن" يدل على أنه علم يتعلم ويحسنُ
معرفتَه من يأخذ بأسبابه، وكذلك قول عبد الرحمن بن مهدي
(إنكارنا للحديث عند
الجهال كهانة))، فتأملْ التعبير "بالجهال " أي ليس عندهم علم بهذا الفن.
قَالَ
المعلميُّ
(وهذه " الملكة لم يؤتوها من فراغ، وإنما هي حصاد رحلة طويلة من الطلب،
والسماع، والكتابة، وإحصاء أحاديث الشيوخ، وحفظ أسماء الرجال، وكناهم، وألقابهم،
وأنسابهم، وبلدانهم، وتواريخ ولادة الرواة ووفياتهم، وابتدائهم في الطلب والسماع،
وارتحالهم من بلد إلى آخر، وسماعهم من الشيوخ في البلدان، من سمع في كل بلد؟ ومتى
سمع؟ وكيف سمع؟ ومع من سمع؟ وكيف كتابه؟، ثم معرفة أحوال الشيوخ الذين يحدث الراوي
عنهم، وبلدانهم، ووفياتهم، وأوقات تحديثهم، وعادتهم في التحديث، ومعرفة مرويات
الناس عن هؤلاء الشيوخ، وعرض مرويات هذا الراوي عليها، واعتبارها بها، إلى غير ذلك
مما يطول شرحه.
هذا مع سعة الاطلاع على الأخبار المروية، ومعرفة سائر أحوال
الرواة التفصيلية، والخبرة بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم، وبالأسباب الداعية إلى
التساهل والكذب، وبمظنات الخطأ والغلط، ومداخل الخلل.
هذا مع اليقظة التامة،
والفهم الثاقب، ودقيق الفطنة،..وغير ذلك))(
).